انطلاقا من قوله عز وجل: (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)) وطاعةً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( من كان يؤمن بًالله واليوم الآخر فليصل رحمه)، وقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه).
واستشعاراً لتوجهات وأهداف الدولة في مجال الأسرة والمحددة في المواد 9،10،11،12 من النظام الأساسي والتي توضح بأن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي وتؤكد حرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم وبما يعزز الوحدة الوطنية مع تشجيع الدولة الأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.
ونظراً لانشغال غالبية أفراد الأسر في زمننا المعاصر عن أرحامهم وأقاربهم بطلبهم العلم أو عملهم بعمارة الأرض مع تفرقهم أحيانا بمواقع جغرافية متباعدة وخاصةً فئة الشباب، واقتصار لقاءات اغلب الأقارب على المناسبات والواجبات الرسمية التي لا تسمح تداخلهم وتعارفهم عن قرب وتلمس احتياجات بعضهم البعض.
ولتلافي تبعات هذا البعد واستكمالاً لعمل الآباء الخيري المتوارث في خدمة أسرهم. فقد بادرت مجموعة من أبناء قبيلة السبعة من عنزة الراغبين في تجسيد فضيلة صلة الرحم والعمل التطوعي إلى عقد لقاءات في منتصف عام 1428ه والبحث عن عمل يساهم في معالجة هذا البعد.
وكان ذلك من خلال الاتفاق على تنظيم لقاء سنوي يشمل جميع الفئات العمرية ويشارك ويتطوع في تنفيذه الجميع، في احتفالية بعيدة عن العنصرية، وقابلة للتجديد والاستمرار، ومن أبرز أهدافها تعارف وتقارب ومودة أولي الأرحام، وتكريم حفظة كتاب الله وخريجي الجامعات والمتفوقين علميا والمتميزين بالخدمات الإنسانية من أبنائهم ، ولعلنا بتنفيذه نحقق ما يعتقده الجميع مما ذُكر سابقا وما في قوله عز وجل (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى* وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) وقوله (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) وقوله تعالى (( فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ )) وقوله (( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا )).
ثم بدأ المتطوعون بتشكيل لجنة لتنفيذ الحفل الأول بالاسترشاد بنظام الجمعيات والمؤسسات الخيرية الصادر من وزارة الشؤون الاجتماعية بالقرار الوزاري رقم 6 380 في 1/6/1413ه، حيث بلغ عدد المتطوعين في اللجنة بنهاية عام 1429 ه أكثر من 60 رجلاً من كافة اسر العوائل، وقاموا بتوزيع تكاليف وأعمال تنفيذ الحفل بينهم بالتساوي. واستمرت اللجنة في تنفيذ هذا الحفل السنوي ولله الحمد.
ومع إقامة اللجنة للحفل السنوي الخامس مؤخرا فإن مجمل عدد الأفراد الذين تم تكريمهم خلال الخمس سنوات نحواً من 700 من أبناء القبيلة: 70 من الحافظين لكتاب الله، و 20 من الحاصلين على درجة الأستاذية والدكتوراه، و90 من الحاصلين على درجة الماجستير، و 240 من الحاصلين على درجة البكالوريوس، و 100 من الحاصلين على درجة الدبلوم، و 160 من المتفوقين في الثانوية العامة والحاصلين على معدل يفوق 97%، بالإضافة إلى تكريم 11 من المتميزين في الخدمات الإنسانية. وقد لقيت بحمد الله تلك الاحتفالات الدعم والاهتمام من ولاة الأمر من خلال رعايتهم الحفل.
ونحن إذ ننقل هذه التجربة للعامة بعد نجاحها وتحقيق أهدافها بفضل وتوفيق من الله عز وجل، لنأمل أن تنتشر لدى بقية اسر وعوائل هذا الوطن لما وجدناه من خير وأثر في هذه الأعمال والذي انعكس عملياً على أفراد هذه الأسر وساهم في تقاربهم وتعارفهم وتداخلهم من خلال تنفيذ هذا الحفل وتلمسهم لاحتياجات بعضهم البعض واتحادهم على الخير وتناصحهم ضد أي خطر، لا سيما في هذا الوقت الذي يسعى فيه الأعداء للتغرير بشبابنا بأفكار هدامة تنمو في عقولهم ولا تجد من يصححها من أهليهم أو المقربين منهم.
وإننا لندعو المسارعين والمحبين للخير من أبناء الأسر في العوائل الأخرى إلى المبادرة في تنفيذ مثل هذه الأنشطة الخيرية في عوائلهم ، والتغلب على معوقات العمل التطوعي من خلال إخلاص النية لله في البداية ثم باستقطاب أصحاب الخبرة العلمية والعملية من أبنائهم لتحديد هدف واحد والاتفاق عليه يقول الله عز وجل ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))، مع الإصرار على تنفيذ الهدف والتركيز عليه مثل إقامة حفل سنوي لتكريم المتفوقين وتذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). كما ننصحهم بالبعد عن الذين يشككون في النوايا والأهداف ويتصيدون الأخطاء حقداً أو حسدا أو كبراً، ومع هذا نوصي بالتعامل معهم بالكلمة الطيبة واللين يقول النبي عليه الصلاة والسلامالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).
ونوصي المتطوعين المنفذين لهذه الأهداف خاصة بالاستعاذة من الكسل والتذمر وحب الظهور على حساب الآخرين والبعد عن الرياء والأنانية بمصادرة أعمال المجموعة يقول الله عز وجل (( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ )). كما نذكرهم بالبعد عن الاستبداد بالرأي وحب التصدر والرياسة، بل يجب أن عليهم العمل بروح واحده وفريق واحد كقلب واحد والاجتهاد باختيار أفضل الآراء عند الاختلاف والمبررة بشواهد من الكتاب والسنة يقول الله عز وجل : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )) ويقول النبي عليه الصلاة والسلام إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)، آملين في الختام أن تجد مثل هذه الأعمال الخيرية لدى جميع الأسر الدعم من وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع. وذلك بتيسير اعتماد تسجيل لجان الأسر ودعمها مع متابعتها. ولا ننسى في هذا الموقف أن نتقدم بالشكر والتقدير لسعادة الأستاذ/ عبدالعزيز بن إبراهيم الهدلق عضو مجلس الشورى حالياً على مقدمه لنا من مشورات في الوقت الذي كان يعمل به وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للتنمية الاجتماعية داعين له بالمزيد من التوفيق والنجاح.
يقول تعالى( إِنْ أُرِيدُ إِلّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))
((وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))
م. سلطان بن هلال
نقلآ عن جريدة الرياض